محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن محمد بن الفضل (1)، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) ـ في حديث طويل ـ قال: وإن الله لم يجعل العلم جهلا، ولم يكل امره إلى أحد من خلقه، لا إلى ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولكنه أرسل رسولا من ملائكته، فقال له: قل كذا وكذا! فأمرهم بما يحب، ونهاهم عما يكره، فقص عليهم أمر خلقه بعلم، فعلم ذلك العلم، وعلم أنبيائه وأصفياءه من الانبياء والأصفياء (2) ـ إلى أن قال: ـ ولولاة الأمر استنباط العلم وللهداة، ثم قال: فمن أعتصم بالفضل انتهى بعلمهم، ونجا بنصرتهم، ومن وضع ولاة أمر الله، وأهل استنباط علمه في غير الصفوة من بيوتات الأنبياء فقد خالف أمر الله، وجعل الجهال ولاة أمر الله والمتكلفين بغير هدى من الله، وزعموا أنهم أهل استنباط علم الله، فقد كذبوا على الله ورسوله، ورغبوا عن وصيه وطاعته، ولم يضعوا فضل الله حيث وضعه الله، فضلوا وأضلوا أتباعهم، ولم يكن لهم حجة يوم القيامة ـ إلى أن قال: ـ في قوله تعالى: (فان يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين) (3) فانه وكل بالفضل من أهل بيته والاخوان والذرية، وهو قوله تعالى: إن يكفر به امتك فقد وكلت أهل بيتك بالايمان الذي أرسلتك به لا يكفرون به أبدا، ولا اضيع الايمان الذي أرسلتك به من أهل بيتك من بعدك علماء أُمتك، وولاة أمري بعدك، وأهل استنباط العلم، الذي ليس فيه كذب، ولا اثم، ولا زور، ولا بطر، ولا رئاء ـ إلى أن قال: ـ فاعتبروا أيها الناس فيما قلت، حيث وضع الله ولايته، وطاعته، ومودته، واستنباط علمه، وحججه، فاياه فتقبلوا، وبه فاستمسكوا تنجوا، وتكون لكم الحجة يوم القيامة وطريق ربكم جل وعز، (لا تصل ولاية الله) (4) إلا بهم، فمن فعل ذلك كان حقا على الله أن يكرمه ولا يعذبه، ومن يأت الله بغير ما أمره كان حقا على الله أن يذله، وأن يعذبه (5). ورواه الصدوق في (اكمال الدين) عن محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضى الله عنه، عن أحمد بن محمد الهمداني، عن علي بن الحسن بن فضال، عن أبيه، عن محمد بن الفضل نحوه (6).
المصادر
الكافي 8: 117 | 92.
الهوامش
1- في الكافي وكمال الدين: محمد بن الفضيل.
2- في المصدر: والاخوان.
3- الانعام 6: 89.
4- في المصدر: ولا تصل ولاية الى الله.
5- هذا مروي في الروضة، وعنوان الحديث «حديث آدم مع الشجرة» «منه».
وبإسناده الاتي (1) عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رسالة طويلة له إلى أصحابه، أمرهم بالنظر فيها وتعاهدها، والعمل بها، من جملتها: أيتها العصابة المرحومة المفلحة! إن الله أتم لكم ما آتاكم من الخير، واعلموا أنه ليس من علم الله ولا من أمره أن يأخذ أحد من خلق الله في دينه بهوى، ولا رأي، ولا مقاييس، قد أنزل الله القرآن، وجعل فيه تبيان كل شيء، وجعل للقرآن وتعلم القرآن أهلا، لا يسع أهل علم القرآن الذين آتاهم الله علمه أن يأخذوا (في دينهم) (2) بهوى ولا رأي، ولا مقاييس، وهم أهل الذكر الذين أمر الله الامة بسؤالهم ـ إلى أن قال: ـ وقد عهد إليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل موته، فقالوا: نحن بعد ما قبض الله عزّ وجلّ رسوله (صلى الله عليه وآله) يسعنا أن نأخذ بما اجتمع عليه رأي الناس بعد قبض الله رسوله (صلى الله عليه وآله)، وبعد عهده الذي عهده إلينا، وأمرنا به، مخالفا لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله) فما أحد أجرأ على الله، ولا أبين ضلالة ممن أخذ بذلك، وزعم أن ذلك يسعه، والله إن لله على خلقه أن يطيعوه، ويتبعوا أمره في حياة محمد (صلى الله عليه وآله) وبعد موته، هل يستطيع اولئك أعداء الله أن يزعموا أن أحدا ممن أسلم مع محمد (صلى الله عليه وآله) أخذ بقوله، ورأيه ومقاييسه؟ فان قال: نعم فقد كذب على الله، وضلّ ضلالا بعيدا، وإن قال: لا لم يكن لاحد أن يأخذ برأيه، وهواه ومقاييسه، فقد أقر بالحجة على نفسه، وهو ممن يزعم أن الله يطاع، ويتبع أمره بعد قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ إلى أن قال: ـ وكما أنه لم يكن لاحد من الناس مع محمد (صلى الله عليه وآله) أن يأخذ بهواه، ولا رأيه، ولا مقاييسه خلافا لأمر محمد (صلى الله عليه وآله)، كذلك لم يكن لأحد (3) بعد محمد (صلى الله عليه وآله) أن يأخذ بهواه، ولا رأيه، ولا مقاييسه، ثم قال: واتبعوا آثار رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسنته، فخذوا بها، ولا تتبعوا أهواءكم ورأيكم (4) فتضلوا، فان أضل الناس عند الله من اتبع هواه ورأيه بغير هدى من الله، وقال: أيتها العصابة (5)! عليكم بآثار رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسنته، وآثار الائمة الهداة من أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) من بعده وسنتهم، فانه من أخذ بذلك فقد اهتدى، ومن ترك ذلك ورغب عنه ضل، لانهم هم الذين أمر الله بطاعتهم وولايتهم. الحديث.
وعنه، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن، عن سماعة بن مهران، عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) ـ في حديث ـ قال: مالكم وللقياس، إنما هلك من هلك من قبلكم بالقياس، ثم قال: إذا جاءكم ما تعلمون فقولوا به، وإذا جاءكم ما لا تعلمون فها ـ وأومأ (1) بيده إلى فيه ـ ثم قال: لعن الله أبا حنيفة، كان يقول: قال علي (عليه السلام)، وقلت (2)، وقالت الصحابة، وقلت (3)، ثم قال: أكنت تجلس إليه؟ قلت: لا، ولكن هذا كلامه فقلت: أصلحك الله، أتى رسول الله (صلى الله عليه واله) الناس بما يكتفون به في عهده؟ قال: نعم، وما يحتاجون اليه إلى يوم القيامة، فقلت: فضاع من ذلك شيء؟ فقال: لا، هو عند أهله.
وعنه، عن أبيه، عن أحمد بن عبدالله العقيلي، عن عيسى بن عبدالله القرشي، قال: دخل أبو حنيفة على أبي عبدالله (عليه السلام)، فقال له: يا با حنيفة! بلغني: أنك تقيس؟ قال: نعم، قال: لا تقس، فإن أول من قاس إبليس. الحديث.
وعن محمد بن يحيى، عن بعض أصحابه، وعن علي بن إبراهيم، عن أبيه عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، وعن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، رفعه عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، أنه قال: من أبغض الخلق إلى الله عزّ وجلّ لرجلين: رجل وكله الله إلى نفسه، فهو جائر عن قصد السبيل، مشعوف بكلام بدعة، قد لهج بالصوم والصلاة، فهو فتنة لمن افتتن به، ضال عن هدى من كان قبله، مضل لمن اقتدى به في حياته وبعد موته، حمال خطايا غيره، رهن بخطيئته، ورجل قمش جهلا في جهال الناس، عان بأغباش الفتنة، قد سماه أشباه الناس عالماً، ولم يغن فيه يوما سالما، بكّر فاستكثر، ما قل منه خير مما كثر، حتى إذا ارتوى من آجن، واكتنز من غير طائل، جلس بين الناس قاضيا (ماضيا) (1) ضامنا لتخليص ما التبس على غيره، وإن خالف قاضيا سبقه، لم يأمن أن ينقض حكمه من يأتي (من) (2) بعده، كفعله بمن كان قبله، وإن نزلت به إحدى المبهمات المعضلات هيأ لها حشوا من رأيه، ثم قطع (3)، فهو من لبس الشبهات في مثل غزل العنكبوت، لا يدري أصاب أم أخطأ، لا يحسب العلم في شيء مما أنكر، ولا يرى أن وراء ما بلغ فيه مذهبا (لغيره) (4)، إن قاس شيئا بشيء لم يكذب نظره، وإن أظلم عليه أمر اكتتم به لما يعلم من جهل نفسه، لكيلا يقال له: لا يعلم، ثم جسر فقضى، فهو مفتاح عشوات، ركاب شبهات خباط جهالات، لا يعتذر مما لا يعلم فيسلم، ولا يعض في العلم بضرس قاطع فيغنم، يذري الروايات ذرو الريح الهشيم، تبكى منه المواريث، وتصرخ منه الدماء، يستحل بقضائه الفرج الحرام، ويحرم بقضائه الفرج الحلال، لا ملئ، باصدار ما عليه ورد، ولا هو أهل لما منه فرط من ادعائه علم الحق. ورواه الرضي في (نهج البلاغة) مرسلا نحوه (5).
وعنه، عن أحمد بن محمد، عن الوشاء، عن مثنى الحناط، عن أبي بصير، قال: قلت لابي عبدالله (عليه السلام): ترد علينا أشياء ليس نعرفها في كتاب الله (ولا سنته) (1) فننظر فيها؟ فقال: لا أما أنك إن أصبت لم توجر، وإن أخطأت كذبت على الله (2). ورواه البرقي في (المحاسن) عن الوشاء مثله (3).
المصادر
الكافي 1: 46 | 11.
الهوامش
1- في المصدر: ولا سنة.
2- الجواب عام في الاصول والفروع كما ترى، بل الفروع اولى بالحكم كما لا يخفى (منه. قده).
وعن محمد بن أبي عبدالله، رفعه عن يونس بن عبد الرحمن، قال: قلت لأبي الحسن الاول (عليه السلام): بما أوحد الله؟ فقال: يا يونس! لا تكونن مبتدعا من نظر برأيه هلك، ومن ترك أهل بيت نبيه ضل، ومن ترك كتاب الله وقول نبيه كفر.
وعن عدة من أصحابا، عن أحمد بن أبي عبدالله، قال في وصية المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: من شك أو ظن فأقام على أحدهما (فقد حبط) (1) عمله، إن حجة الله هي الحجة الواضحة.
وعن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن عمر بن أُذينة، عن أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس الهلالي، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ في حديث طويل ـ قال: ومن عمي نسي الذكر، واتبع الظن، وبارز خالقه ـ إلى أن قال: ـ ومن نجا من ذلك فمن فضل اليقين.
وعن محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن ابان بن تغلب، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إن السنة لا تقاس، ألا ترى أن المرأة تقضي صومها، ولا تقضي صلاتها (1)، يا أبان ان السنة اذا قيست محق الدين.
وعن علي بن ابراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه أن عليا (عليه السلام) قال: من نصب نفسه للقياس لم يزل دهره في التباس، ومن دان الله بالرأي لم يزل دهره في ارتماس.
قال: وقال أبو جعفر (عليه السلام): من أفتى الناس برأيه فقد دان الله بما لا يعلم، ومن دان الله بما لا يعلم فقد ضاد الله حيث أحلّ، وحرم فيما لا يعلم. ورواه الحميري في (قرب الاسناد) عن هارون بن مسلم مثله (1).
وعنه، عن أبيه، وعبدالله بن الصلت جميعا، عن حماد ابن عيسى، عن حريز بن عبدالله، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) ـ في حديث طويل في الامامة وأحوال الامام ـ قال: أما لو أن رجلا صام نهاره، وقام ليله، وتصدق بجميع ماله، وحج جميع دهره، ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه، وتكون جميع اعماله بدلالته إليه، ما كان له على الله ثواب (2)، ولا كان من أهل الايمان. ورواه البرقي في (المحاسن) عن أبي طالب عبدالله بن الصلت مثله (3).
وعن عدة من اصحابنا، عن احمد بن محمد بن خالد، عن بعض أصحابنا رفعه، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في كلام ذكره: إن المؤمن لم يأخذ دينه عن رأيه، ولكن أتاه (عن ربه فأخذ به) (1).
وعنهم، عن أحمد بن محمد، عن عثمان بن عيسى، قال: سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) عن القياس، فقال: (وما لكم وللقياس) (1)، إن الله لا يسأل كيف أحلّ، وكيف حرّم.
وعنهم عن أحمد، عن الوشاء، عن ثعلبة بن ميمون، عن أبي مريم قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) لسلمة بن كهيل، والحكم بن عتيبة: شرقا وغربا، فلا تجدان علما صحيحا إلا شيئا خرج من عندنا أهل البيت.
وعن محمد بن الحسن، وعلي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن محمد بن عيسى، عن الدهقان، عن درست، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) ـ في حديث ـ قال: إنما العلم ثلاث: آية محكمة، أو فريضة عادلة، أو سنة قائمة، وما خلاهن فهو فضل.
وعن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن أبان بن عثمان، عن أبي شيبة الخراساني، قال: سمعت ابا عبدالله (عليه السلام) يقول: إن أصحاب المقاييس طلبوا العلم بالمقاييس فلم تزدهم المقاييس من الحق إلا بعدا، وإن دين الله لا يصاب بالمقاييس.
وعنه، عن معلى، عن أحمد بن محمد بن عبدالله، عن (أبي جميل) (1)، عن (إسماعيل بن أبي اويس، عن مضرة بن أبي ضمرة) (2)، عن أبيه، عن جده، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): احكام المسلمين على ثلاثة: شهادة عادلة، أو يمين قاطعة أو سنة ماضية من أئمة الهدى. محمد بن علي بن الحسين في (الخصال) عن أبيه، عن سعد بن عبدالله، عن أحمد بن أبي عبدالله (3)، عن أبي جميلة مثله (4).
المصادر
الكافي 7: 432 | 20.
الهوامش
1- في المصدر: ابي جميلة.
2- في المصدر: اسماعيل بن ابي ادريس، عن الحسين بن ضمرة بن ابي ضمرة.
3- في الخصال زيادة: عن احمد بن محمد بن ابي نصر البزنطي.
وبإسناده الاتي عن علي (عليه السلام) ـ في حديث الأربعمائة ـ قال: علموا صبيانكم (من علمنا) (1) ما ينفعهم الله به، لا تغلب عليهم المرجئة برأيها، ولا تقيسوا الدين، فان من الدين ما لا يقاس (2)، وسيأتي أقوام يقيسون، فهم أعداء الدين، وأول من قاس إبليس، إياكم والجدال، فإنه يورث الشك، ومن تخلف عنا هلك.
وفي (المجالس) وفي (معاني الاخبار) عن محمد بن علي ماجيلويه، عن عمه محمد بن أبي القاسم، (عن أحمد بن محمد بن خالد) (1)، عن أبيه، عن (محمد بن يحيى الخزاز) (2)، عن غياث بن إبراهيم، عن الصادق، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام)، أنه قال في كلام له: الاسلام هو التسليم ـ إلى أن قال: ـ إن المؤمن أخذ دينه عن ربه، ولم يأخذه عن رأيه.
المصادر
امالي الصدوق: 287 | 4، ومعاني الاخبار: 185 | 1.
الهوامش
1- في نسخة من المعاني: عن اخيه احمد بن محمد بن خالد (هامش المخطوط)، وفي المطبوع: عن اخيه، عن احمد بن محمد بن خالد.
وفي (المجالس) و (التوحيد) و (عيون الأخبار) عن محمد بن موسى بن المتوكل، عن علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن الريان ابن الصلت، عن علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال الله جل جلاله: ما آمن بي من فسر برأيه كلامي، وما عرفني من شبهني بخلقي، وما على ديني من استعمل القياس في ديني.
وفي كتاب (العلل) عن أحمد بن الحسن القطان، عن الحسن بن علي العسكري (1) عن محمد بن زكريا الجوهري البصري، عن جعفر بن محمد بن عمارة، عن أبيه، عن جعفر بن محمد (عليه السلام) ـ في حديث الخضر (عليه السلام) ـ أنه قال لموسى (عليه السلام): إن القياس لا مجال له في علم الله وأمره ـ إلى أن قال: ـ ثم قال جعفر بن محمد (عليه السلام): إن أمر الله تعالى ذكره لا يحمل على المقاييس، ومن حمل أمر الله على المقاييس هلك وأهلك، إن أول معصية ظهرت من (2) إبليس اللعين حين أمر الله ملائكته بالسجود لآدم فسجدوا، وأبى إبليس أن يسجد، فقال (3): أنا خير منه، فكان أوّل كفره قوله: أنا خير منه، ثم قياسه بقوله: خلقتني من نار، وخلقته من طين، فطرده الله عن جواره ولعنه، وسماه رجيما، وأقسم بعزته لا يقيس أحد في دينه، إلا قرنه مع عدوه إبليس في أسفل درك من النار (4).
المصادر
علل الشرائع 59 | 1.
الهوامش
1- في المصدر: الحسن بن علي السكري.
2- في المصدر: الانانية عن.
3- في المصدر زيادة: عزّ وجلّ ما منعك الا تسجد اذا امرتك، قال:.
4- قد صرح الصدوق في (العلل) بطلان القياس والاستنباط والاجتهاد، واطال الكلام في ابطال ذلك، وكذلك الشيخ في كتاب (العدة) والسيد المرتضى في (الشافي) و (الذريعة). «منه. قده».
وعن أبيه، عن محمد بن يحيى، عن (محمد بن أحمد، عن إبراهيم بن هاشم) (1)، عن أحمد بن عبدالله العقيلي، عن عيسى بن عبدالله القرشي، رفع الحديث، قال: دخل أبو حنيفة على أبي عبدالله (عليه السلام) فقال له: يا با حنيفة! بلغني أنك تقيس؟ قال: نعم أنا أقيس، قال: لا تقس، فان أول من قاس إبليس حين قال: خلقتني من نار، وخلقته من طين. الحديث.
وعن أحمد بن الحسن القطان، عن عبد الرحمن بن أبي حاتم، عن أبي زرعة، عن هشام بن عمار، عن محمد بن عبدالله القرشي، عن ابن شبرمة، قال: دخلت انا وأبو حنيفة على جعفر بن محمد (عليهما السلام)، فقال لأبي حنيفة: اتق الله، ولا تقس (في) (1) الدين برأيك، فإن أول من قاس إبليس ـ إلى أن قال: ـ ويحك أيهما أعظم؟ قتل النفس، أو الزنا؟ قال: قتل النفس، قال: فان الله عزّ وجلّ قد قبل في قتل النفس شاهدين، ولم يقبل في الزنا إلا أربعة، ثم أيهما أعظم؟ الصلاة؟، أم الصوم؟ قال: الصلاة، قال: فما بال الحائض تقضي الصيام، ولا تقضي الصلاة؟ فكيف يقوم لك القياس؟ فاتق الله، ولا تقس.
قال الصدوق: قال أحمد بن أبي عبدالله: ورواه معاذ ابن عبدالله، عن بشير بن يحيى العامري، عن ابن أبي ليلى، قال: دخلت أنا والنعمان على جعفر بن محمد ـ إلى أن قال: ـ ثم قال: يا نعمان! إياك والقياس فان أبي حدثني عن آبائه: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من قاس شيئا من الدين برأيه قرنه الله مع إبليس في النار، فان أول من قاس إبليس، حين قال: خلقتني من نار، وخلقته من طين، فدع (1) الرأي والقياس، وما قال قوم ليس له في دين الله برهان، فان دين الله لم يوضع بالاراء والمقاييس. وعن الحسين بن أحمد بن إدريس، عن أبيه، عن أحمد بن محمد (2)، عن أبي عبدالله الرازي، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن سفيان الحريري، عن معاذ بن بشير (3)، عن يحيى العامري، عن ابن أبي ليلى مثله (4).
وعن أبيه، ومحمد بن الحسن، عن سعد بن عبدالله، عن أحمد بن أبي عبدالله، عن شبيب بن أنس (1)، عن بعض أصحاب أبي عبدالله (عليه السلام) ـ في حديث ـ: إن أبا عبدالله (عليه السلام) قال لأبي حنيفة: أنت فقيه العراق؟ قال: نعم، قال: فبم تفتيهم؟ قال: بكتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله)، قال: يا أبا حنيفة! تعرف كتاب الله حق معرفته؟ وتعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال: نعم، قال: يا أبا حنيفة! لقد ادعيت علماً، ويلك ماجعل الله ذلك إلا عند أهل الكتاب الذين أنزل عليهم، ويلك ولا هو إلا عند الخاص من ذرية نبينا محمد (صلى الله عليه وآله)، وما ورثك الله من كتابه حرفا ـ وذكر الاحتجاج عليه إلى أن قال: ـ يا أبا حنيفة! إذا ورد عليك شيء ليس في كتاب الله، ولم تأت به الآثار والسنة كيف تصنع؟ فقال: أصلحك الله أقيس وأعمل فيه برأيي، فقال: يا أبا حنيفة! إن أول من قاس إبليس الملعون، قاس على ربنا تبارك وتعالى، فقال: (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) (2) قال: فسكت أبو حنيفة، فقال: يا أبا حنيفة! أيما أرجس؟ البول، أو الجنابة؟ فقال: البول، فقال: فما بال الناس يغتسلون من الجنابة، ولا يغتسلون من البول؟ فسكت، فقال: يا أبا حنيفة أيما أفضل؟ الصلاة، أم الصوم؟ قال: الصلاة، قال: فما بال الحائض تقضي صومها، ولا تقضي صلاتها؟ فسكت.
أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي في (الاحتجاج) عن أبي عبدالله (عليه السلام)، أنه قال لأبي حنيفة في احتجاجه عليه في إبطال القياس: أيما أعظم عند الله؟ القتل، أو الزنا؟ قال: بل القتل، فقال (عليه السلام): فكيف رضي في القتل بشاهدين، ولم يرض في الزنا إلا بأربعة؟! ثم قال له: الصلاة أفضل، أم الصيام؟ قال: بل الصلاة أفضل قال (عليه السلام): فيجب ـ على قياس قولك ـ على الحائض قضاء ما فاتها من الصلاة في حال حيضها دون الصيام، وقد أوجب الله عليها قضاء الصوم دون الصلاة، ثم قال له: البول أقذر، أم المني؟ فقال: البول أقذر، فقال: يجب على قياسك ـ أن يجب الغسل من البول دون المني، وقد أوجب الله تعالى الغسل من المني دون البول ـ إلى أن قال (عليه السلام): ـ تزعم أنك تفتي بكتاب الله، ولست ممن ورثه، وتزعم أنك صاحب قياس، وأول من قاس إبليس ولم يبن دين الله على القياس، وزعمت أنك صاحب رأي، وكان الرأي من الرسول (صلى الله عليه وآله) صواباً، ومن غيره خطاءً، لأن الله تعالى قال: (فاحكم بينهم بما انزل الله) (1) ولم يقل ذلك لغيره. الحديث.
وعن الصادق (عليه السلام) في قول الله عز وجل: (اهدنا الصراط المستقيم) (1) قال: يقول: أرشدنا للزوم الطريق المؤدي إلى محبتك، والمبلغ إلى (رضوانك و) (2) وجنتك، والمانع (3) من أن نتبع أهواءنا فنعطب، أو نأخذ بآرائنا فنهلك. ورواه العسكري (عليه السلام) في (تفسيره) (4). ورواه الصدوق في (معاني الأخبار) و (في عيون الأخبار) عن محمد ابن القاسم المفسر، عن يوسف بن محمد بن زياد، وعلي بن محمد بن سيار (5)، عن أبويهما، عن الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) مثله (6).
علي بن محمد الخزاز في كتاب (الكفاية) في النصوص على عدد الأئمة (عليهم السلام) عن الحسين بن محمد بن سعيد، عن محمد بن أحمد الصفواني، عن مروان بن محمد السنجاري، عن أبي يحيى التميمي، عن يحيى البكاء، عن علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ستفترق امتي على ثلاث وسبعين فرقة، فرقة منها ناجية، والباقون هالكون، والناجون الذين يتمسكون بولايتكم، ويقتبسون من علمكم، ولا يعملون برأيهم، فاولئك ما عليهم من سبيل. الحديث.
أحمد بن محمد بن خالد البرقي في (المحاسن) عن أبيه، عن القاسم بن محمد الجوهري، عن حبيب الخثعمي، وعن النضر ابن سويد، عن يحيى الحلبي، عن ابن مسكان، عن حبيب، قال: قال لنا أبو عبدالله (عليه السلام): ما أحد أحب إليّ منكم، إن الناس سلكوا سبلا شتى، منهم من أخذ بهواه، ومنهم من أخذ برأيه، وانكم أخذتم بأمر له أصل.
وعن أبيه، عمن ذكره، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رسالة إلى أصحاب الرأي والقياس: أما بعد، فإن من دعا غيره إلى دينه بالارتياء والمقاييس لم ينصف ولم يصب حظه، لأن المدعو إلى ذلك أيضا لا يخلو من الارتياء والمقاييس، ومتى لم يكن بالداعي قوة في دعائه على المدعو لم يؤمن على الداعي أن يحتاج إلى المدعو بعد قليل، لأنا قد رأينا المتعلم الطالب ربما كان فائقا لمعلمه ولو بعد حين، ورأينا المعلم الداعي ربما احتاج في رأيه إلى رأي من يدعو، وفي ذلك تحير الجاهلون، وشك المرتابون، وظن الظانون، ولو كان ذلك عند الله جائزا لم يبعث الله الرسل بما فيه الفصل، ولم ينه عن الهزل، ولم يعب الجهل، ولكن الناس لما سفهوا الحق، وغمطوا النعمة، واستغنوا بجهلهم وتدابيرهم عن علم الله، واكتفوا بذلك عن (1) رسله والقوام بأمره، وقالوا: لا شيء إلا ما أدركته عقولنا، وعرفته ألبابنا، فولاهم الله ما تولوا، وأهملهم وخذلهم حتى صاروا عبدة أنفسهم من حيث لا يعلمون، ولو كان الله رضي منهم اجتهادهم وارتياءهم فيما ادعوا من ذلك لم يبعث إليهم فاصلا لما بينهم، ولا زاجرا عن وصفهم، وإنما استدللنا أن رضا الله غير ذلك، ببعثه الرسل بالامور القيمة الصحيحة، والتحذير من الامور المشكلة المفسدة، ثم جعلهم أبوابه وصراطه والأدلاء عليه بامور محجوبة عن الرأي والقياس، فمن طلب ما عند الله بقياس ورأي لم يزدد من الله إلا بعدا، ولم يبعث رسولا قط ـ وإن طال عمره ـ قابلا من الناس خلاف ما جاء به، حتى يكون متبوعا مرة وتابعا اخرى، ولم ير أيضا فيما جاء به استعمل رأيا ولا مقياسا، حتى يكون ذلك واضحا عنده كالوحي من الله، وفي ذلك دليل لكل ذي لب وحجى، إن أصحاب الرأي والقياس مخطئون مدحضون. الحديث.
وعن بعض أصحابنا (1)، عن معاوية بن ميسرة بن شريح قال: شهدت أبا عبدالله (عليه السلام) في مسجد الخيف، وهو في حلقة، فيها نحو من مائتي رجل، وفيهم عبدالله بن شبرمة، فقال له: يا أبا عبدالله! إنا نقضي بالعراق فنقضي بالكتاب (2) والسنة، ثم ترد علينا المسألة فنجتهد فيها بالرأي ـ إلى أن قال: ـ فقال أبو عبدالله (عليه السلام): فأي رجل كان علي بن أبي طالب (عليه السلام)؟ فأطراه ابن شبرمة، وقال فيه قولا عظيما فقال له أبو عبدالله (عليه السلام)؛ فان عليا (عليه السلام) أبى أن يدخل في دين الله الرأي، وأن يقول في شيء من دين الله بالرأي والمقاييس ـ إلى أن قال: ـ لو علم ابن شبرمة من أين هلك الناس ما دان بالمقاييس، ولا عمل بها.
وعن أبيه، عن عبدالله بن المغيرة، ومحمد بن سنان جميعا، عن طلحة بن زيد، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، عن أبيه (عليه السلام)، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لا رأي في الدين.
وعن ابن محبوب أو غيره، عن مثنى الحناط، عن أبي بصير، قال: قلت لابي جعفر (عليه السلام): ترد علينا أشياء لا نجدها في الكتاب والسنة، فنقول فيها برأينا، فقال: أما أنك إن أصبت لم توجر، وإن أخطأت كذبت على الله.
وعن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: في كتاب آداب (1) أمير المؤمنين (عليه السلام): لا تقيسوا (2) الدين، فإن أمر الله لا يقاس، وسيأتي قوم يقيسون، وهم أعداء الدين.
وعن أبيه، عن هارون بن الجهم، عن محمد بن مسلم، قال: كنت عند أبي عبدالله (عليه السلام) بمنى إذ أقبل أبو حنيفة على حمار له (1)، فلما جلس قال (2): إني اريد أن اقايسك، فقال أبو عبدالله (عليه السلام): ليس في دين الله قياس. الحديث.
المصادر
المحاسن: 304 | 14.
الهوامش
1- في المصدر زيادة: فاستأذن على ابي عبدالله (عليه السلام) فأذن له.
علي بن الحسين المرتضى في رسالة (المحكم والمتشابه) نقلا من (تفسير) النعماني بإسناده الاتي (1) عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ في حديث طويل ـ قال: وأما الرد على من قال بالرأي والقياس والاستحسان والاجتهاد، ومن يقول: إن الاختلاف رحمة، فاعلم أنا لما رأينا من قال: بالرأي والقياس قد استعملوا الشبهات في الأحكام لما عجزوا عن عرفان إصابة الحكم، وقالوا: ما من حادثة إلا ولله فيها حكم، ولا يخلو الحكم فيها من وجهين: إما أن يكون نصا، أو دليلا، وإذا رأينا الحادثة قد عدم نصها فزعنا، أي: رجعنا إلى الاستدال عليها بأشباهها ونظائرها، لأنا متى لم نفزع إلى ذلك أخليناها من أن يكون لها حكم، ولا يجوز أن يبطل حكم الله في حادثة من الحوادث، لأنه يقول سبحانه: (ما فرطنا في الكتاب من شيء) (2) ولما رأينا الحكم لا يخلو والحادث (3) لا ينفك من الحكم التمسناه من النظائر لكيلا تخلوا الحادثة من الحكم بالنص أو بالاستدلال وهذا جائز عندنا. قالوا: وقد رأينا (4) الله تعالى قاس في كتابه بالتشبيه والتمثيل فقال: (خلق الانسان من صلصال كالفخار * وخلق الجان من مارج من نار) (5) فشبه الشيء بأقرب الأشياء له شبها. قالوا: وقد رأينا النبي (صلى الله عليه وآله) استعمل الرأي والقياس بقوله: للمرأة الخثعمية حين سألته عن حجها عن أبيها، فقال: أرأيت لو كان على أبيك دين لكنت تقضينه عنه؟ فقد أفتاها بشيء لم تسأل عنه، وقوله (صلى الله عليه وآله) لمعاذ بن جبل حين أرسله إلى اليمن: أرأيت يا معاذ إن نزلت بك حادثة، لم تجد لها في كتاب الله أثرا ولا في السنة، ما أنت صانع؟ قال: أستعمل رأيي فيها، فقال: الحمد لله الذي وفق رسول الله إلى ما يرضيه، قالوا: وقد استعمل الرأي والقياس كثير من الصحابة، ونحن على آثارهم مقتدون، ولهم احتجاج كثير في مثل هذا، فقد كذبوا على الله تعالى في قولهم: إنه احتاج إلى القياس، وكذبوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ قالوا عنه ما لم يقل من الجواب المستحيل. فنقول لهم ردا عليهم: إن أصول أحكام العبادات (6) وما يحدث في الامة من الحوادث والنوازل، لما كانت موجودة عن السمع والنطق والنص في كتاب الله، وفروعها مثلها وإنما أردنا الاصول في جميع العبادات والمفترضات التي نص الله عزّ وجلّ، وأخبرنا عن وجوبها، وعن النبي (صلى الله عليه وآله) وعن وصيه المنصوص عليه بعده في البيان عن أوقاتها وكيفياتها وأقدارها في مقاديرها عن الله عزّ وجلّ، مثل (فرض الصلاة) (7) والزكاة والصيام والحج والجهاد وحد الزنا وحد السرقة وأشباهها مما نزل في الكتاب مجملا بلا تفسير، فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو المفسر والمعبر عن جملة الفرائض. فعرفنا أن فرض صلاة الظهر أربع، ووقتها بعد زوال الشمس بمقدار ما يقرأ الانسان ثلاثين آية، وهذا الفرق بين صلاة الزوال (وصلاة الظهر) (8)، ووقت صلاة العصر آخر وقت الظهر إلى وقت مهبط الشمس، وأن المغرب ثلاث ركعات ووقتها حين وقت الغروب إلى إدبار الشفق والحمرة، وأن وقت صلاة العشاء الاخرة وهي أربع ركعات أوسع الأوقات، وأول وقتها حين اشتباك النجوم وغيبوبة الشفق وانبساط الظلام، وآخر وقتها ثلث الليل، وروي: نصفه، والصبح ركعتان، ووقتها طلوع الفجر إلى إسفار الصبح. وأن الزكاة تجب في مال، دون مال ومقدار دون مقدار، ووقت دون أوقات (9)، وكذلك جميع الفرائض التي أوجبها الله على عباده بمبلغ الطاعات وكنه الاستطاعات. فلولا ما ورد (10) النص به وتنزيل كتاب الله، وبيان ما أبانه رسوله (وفسره لنا) (11)، وأبانه الأثر وصحيح الخبر لقوم آخرين، لم يكن لأحد من الناس (المأمورين بأداء الفرائض أن يوجب) (12) ذلك بعقله، وإقامته (13) معاني فروضه وبيان مراد الله في جميع ما قدمنا ذكره على حقيقة شروطها، ولا يصح إقامة فروضها بالقياس والرأي، ولا أن تهتدي العقول على انفرادها إلى أنه (14) يجب فرض الظهر أربعا دون خمس أو ثلاث، (ولا تفصل) (15) أيضا بين قبل الزوال وبعده، ولا تقدم الركوع على السجود، (أو) (16) السجود على الركوع، أو حد زنا المحصن والبكر، ولا بين العقارات (والمال الناض) (17) في وجوب (18) الزكاة، فلو خلينا بين عقولنا وبين هذه الفرائض لم يصح فعل ذلك كله بالعقل على مجرده، ولم نفصل (19) بين القياس الذي فصلت الشريعة والنصوص، إذا كانت الشريعة موجودة عن السمع والنطق الذي ليس لنا أن نتجاوز حدودها، ولو جاز ذلك لاستغنينا عن إرسال الرسل إلينا بالامر والنهي منه تعالى. ولما كانت الاصول لا تجب على ما هي عليه من بيان فرضها إلا بالسمع والنطق، فكذلك الفروع والحوادث التي تنوب وتطرق منه تعالى لم يوجب الحكم فيها بالقياس دون النص بالسمع والنطق. وأما احتجاجهم واعتلالهم (بأن القياس هوالتشبيه والتمثيل، فإن) (20) الحكم جائز به، ورد الحوادث أيضا إليه، فذلك محال بين. ومقال شنيع، لأنا نجد أشياء قد وفق الله بين أحكامها وإن كانت متفرقة، ونجد أشياء قد فرق الله بين أحكامها وإن كانت مجتمعة، فدلنا ذلك من فعل الله تعالى على أن اشتباه الشيئين غير موجب لاشتباه الحكمين، كما ادعاه منتحلوا القياس والرأي. وذلك أنهم لما عجزوا عن إقامة الأحكام على ما انزل في كتاب الله تعالى، وعدلوا عن أخذها ممن فرض الله سبحانه طاعتهم على عباده، ممن لا يزل ولا يخطى ولا ينسى، الذين أنزل الله كتابه عليهم، وأمر الامة برد ما اشتبه عليهم من الأحكام إليهم، وطلبوا الرياسة رغبة في حطام الدنيا، وركبوا طريق أسلافهم ممن ادعى منزلة أولياء الله، لزمهم العجز، فادعوا أن الرأي والقياس واجب، فبان لذوي العقول عجزهم وإلحادهم في دين الله، وذلك أن العقل على مجرده وانفراده لا يوجب، ولا يفصل بين أخذ الشيء بغصب ونهب، وبين أخذه بسرقة وإن كانا مشتبهين، فالواحد يوجب القطع، والاخر لا يوجبه. ويدل أيضا على فساد ما احتجوا به من رد الشيء في الحكم إلى أشباهه ونظائره، أنا نجد الزنا من المحصن والبكر سواء، وأحدهما يوجب الرجم، والاخر يوجب الجلد، فعلمنا أن الأحكام مأخذها من السمع والنطق بالنص على حسب ما يرد به التوقيف (21) دون اعتبار النظائر (والأعيان) (22)، وهذه دلالة واضحة على فساد قولهم، ولو كان الحكم في الدين بالقياس لكان باطن القدمين أولى بالمسح من ظاهرهما، قال الله تعالى حكاية عن إبليس في قوله بالقياس: (خلقتني من نار وخلقته من طين) (23) فذمه الله لما لم يدر ما بينهما، وقد ذم رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) القياس، يرث ذلك بعضهم عن بعض، ويرويه عنهم أولياؤهم. قال: وأما الرد على من قال بالاجتهاد، فانهم يزعمون أن كل مجتهد مصيب، على أنهم لا يقولون: إنهم مع اجتهادهم أصابوا معنى حقيقة الحق عند الله عزّ وجلّ، لأنهم في حال اجتهادهم ينتقلون عن (24) اجتهاد إلى اجتهاد، واحتجاجهم أن الحكم به قاطع قول باطل، منقطع، منتقض، فأي دليل أدل من هذا على ضعف اعتقاد من قال بالاجتهاد والرأي، إذا كان أمرهم يؤل إلى ما وصفناه؟! وزعموا أنه محال أن يجتهدوا، فيذهب الحق من جملتهم، وقولهم بذلك فاسد، لأنهم إن اجتهدوا فاختلفوا فالتقصير واقع بهم. وأعجب من هذا، أنهم يقولون مع قولهم بالرأي والاجتهاد: إن الله تعالى بهذا المذهب لم يكلفهم إلا بما يطيقونه، وكذلك النبي (صلى الله عليه وآله)، واحتجوا بقول الله تعالى: (وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) (25) وهذا بزعمهم وجه الاجتهاد، وغلطوا في هذا التأويل غلطا بينا. قالوا: ومن قول الرسول (صلى الله عليه وآله): ما قاله لمعاذ بن جبل، وادعوا أنه أجاز ذلك، والصحيح أن الله لم يكلفهم اجتهادا، لأنه قد نصب لهم أدلة، وأقام لهم أعلاما، وأثبت عليهم الحجة، فمحال أن يضطرهم إلى ما لا يطيقون بعد إرساله إليهم الرسل بتفصيل الحلال والحرام، ولم يتركهم سدى، مهما عجزوا عنه ردوه إلى الرسول والأئمة صلوات الله عليهم، كيف وهو يقول: (ما فرطنا في الكتاب من شيء) (26) ويقول: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي) (27) ويقول: (فيه تبيان كل شيء) (28)؟! ومن الدليل على فساد قولهم في الاجتهاد والرأي والقياس أنه لن يخلو الشيء، أن يكون بمثله (29) على أصل، أو يستخرج البحث عنه، فان كان يبحث عنه فانه لا يجوز في عدل الله تعالى أن يكلف العباد ذلك، وإن كان ممثلا على أصل فلن يخلو الاصل، أن يكون حرم لمصلحة الخلق، أو لمعنى في نفسه خاص، (فان كان حرم لمعنى في نفسه خاص) (30) فقد كان ذلك فيه حلالا، ثم حرم بعد ذلك لمعنى فيه، بل لو كان لعلة المعنى لم يكن التحريم له أولى من التحليل. ولما فسد هذا الوجه من دعواهم علمنا أن الله تعالى إنما حرم الأشياء لمصلحة الخلق، لا للخلق التي فيها، ونحن إنما ننفي القول بالاجتهاد لأن الحق عندنا فيما قدمنا ذكره من الامور التي نصبها الله تعالى، والدلائل التي أقامها لنا كالكتاب والسنة والإمام الحجة، ولن يخلو الخلق من هذه الوجوه التي ذكرناها، وما خالفها فهو باطل. ثم ذكر (عليه السلام) كلاما طويلا في الرد على من قال بالاجتهاد في القبلة، وحاصله الرجوع فيها إلى العلامات الشرعية.
المصادر
المحكم والمتشابه: 120.
الهوامش
1- يأتي في الفائدة الثانية من الخاتمة برقم (52).
2- الانعام: 6: 38.
3- في المصدر: والحدث.
4- في المصدر زيادة: أن.
5- الرحمن 55: 14 ـ 15.
6- في المصدر: العباد.
7- في المصدر: ما فرض من الصلاة.
8- في المصدر: وبين صلاة العصر.
9- في المصدر: وقت.
10- في المصدر زيادة: من.
11- ليس في المصدر.
12- في المصدر: موجب.
13- في المصدر: واقامة.
14- في المصدر: أن.
15- في المصدر: ولا تفصيل.
16- في المصدر: ولا.
17- في المصدر: والملك الناض، والمال الناض: الدراهم والدنانير. (الصحاح ـ نضض ـ 3: 1107).
18- في المصدر: وجوه.
19- في المصدر: يفصل.
20- في المصدر: ان القياس والتشبيه والتمثيل وان.
21- في المصدر: التوفيق.
22- ليس في المصدر.
23- الاعراف 7: 12 وص 38: 76.
24- في المصدر: من.
25- البقرة 2: 144، 150.
26- الانعام 6: 38.
27- المائدة 5: 3.
28- النحل 16: 89 ونصها (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء).
محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي في كتاب (الرجال) عن محمد بن مسعود، عن إسحاق بن محمد، عن أحمد بن صدقة، عن أبي مالك الأحمسي ـ في حديث ـ: أن مؤمن الطاق كلم رجلا من الشراة فقطعه، فقال أبو عبدالله (عليه السلام): والله لقد سررتني، والله ما قلت من الحق حرفا، قال: وَلِمَ؟ قال: لأنك تكلمت على القياس، والقياس ليس من ديني.
عبدالله بن جعفر في (قرب الاسناد) عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: قلت للرضا (عليه السلام): جعلت فداك، إن بعض أصحابنا يقولون: نسمع الأمر (1) يحكى عنك وعن آبائك، فنقيس عليه، ونعمل به، فقال: سبحان الله! لا والله ما هذا من دين جعفر (عليه السلام)، هؤلاء قوم لا حاجة بهم إلينا، قد خرجوا من طاعتنا، وصاروا في موضعنا، فأين التقليد الذي كانوا يقلدون جعفرا وأبا جعفر (عليهما السلام)؟ قال جعفر: لا تحملوا على القياس، فليس من شيء يعدله القياس، إلا والقياس يكسره.
وعن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة (1)، عن جعفر بن محمد، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إياكم والظن، فإنّ الظن أكذب الكذب.
محمد بن محمد المفيد في (المجالس) عن الصدوق، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن الصفار، عن يعقوب بن يزيد، عن حماد بن عيسى، عن حماد بن عثمان، عن زرارة بن أعين، قال: قال لي أبو جعفر محمد بن علي (عليهما السلام): يا زرارة! إياك وأصحاب القياس في الدين، فانهم تركوا علم ما وكلوا به، وتكلفوا ما قد كفوه، يتأولون الأخبار، ويكذبون على الله عزّ وجلّ، وكأني بالرجل منهم ينادى من بين يديه، فيجيب من خلفه، وينادى من خلفه، فيجيب من بين يديه، قد تاهوا وتحيروا في الأرض والدين.
وعنه، عن محمد بن موسى بن المتوكل، عن السعد آبادي، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن غير واحد، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: لعن الله أصحاب القياس، فإنهم غيروا كتاب (1) الله وسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، واتهموا الصادقين في دين الله.
محمد بن مسعود العياشي في (تفسيره) عن عمار بن موسى، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سئل عن الحكومة، فقال: من حكم برأيه بين اثنين فقد كفر، ومن فسر برأيه آية من كتاب الله فقد كفر.
وعن أبان، عن عبد الرحمن (1)، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: أدنى ما يخرج به الرجل من الإسلام أن يرى الرأي بخلاف الحق فيقيم عليه ثم قال: (ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله) (2).
وعن زرارة، وأبي حنيفة جميعا، عن أبي بكر بن حزم، قال: توضأ رجل، فمسح على خفيه، فدخل المسجد يصلي (1)، فجاء علي (عليه السلام) فوطئ على رقبته وقال: ويلك! تصلي على غير وضوء، فقال: أمرني عمر بن الخطاب، قال: فأخذ به (2) فانتهى به إليه فقال: انظر ما يروي هذا عليك ـ ورفع صوته ـ فقال: نعم أنا أمرته، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مسح (على خفيه) (3) فقال: قبل المائدة أو بعدها؟ قال: لا أدري، قال: فلم تفتي، وأنت لا تدري؟! سبق الكتاب الخفين.
وعن إسحاق بن عمار، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ـ في حديث ـ قال: يظن هؤلاء الذين يدعون أنهم فقهاء علماء أنهم قد أثبتوا جميع الفقه والدين مما تحتاج إليه الامة، وليس كل علم رسول الله (صلى الله عليه وآله) علموه، ولا صار إليهم من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا عرفوه، وذلك أن الشيء من الحلال والحرام والأحكام يرد عليهم، فيسألون عنه، ولا يكون عندهم فيه أثر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ويستحيون أن ينسبهم الناس إلى الجهل، ويكرهون أن يسألوا فلا يجيبوا، فيطلب الناس العلم من معدنه، فلذلك استعملوا الرأي والقياس في دين الله، وتركوا الآثار، ودانوا بالبدع، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كل بدعة ضلالة، فلو أنهم إذا سألوا عن شيء من دين الله، فلم يكن عندهم فيه أثر عن رسول الله، ردوه إلى الله وإلى الرسول وإلى اولي الأمر منهم، لعلمه الذين يستنبطونه منهم من آل محمد (صلى الله عليه وآله).
فرات بن إبراهيم في (تفسيره) عن علي بن محمد بن إسماعيل، معنعنا عن زيد ـ في حديث ـ أنه لما نزل قوله تعالى: (إذا جاء نصر الله والفتح) السورة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله قضى الجهاد على المؤمنين في الفتنة بعدي ـ إلى أن قال: ـ يجاهدون على الاحداث في الدين، إذا عملوا بالرأي في الدين، ولا رأي في الدين، إنما الدين من الرب أمره ونهيه.