باب أن الحاكم ان عرف عدالة الشهود حكم، وان عرف فسقهم لم يحكم، وان اشتبه عليه سأل عنهم، حتى يعرفهم شاهدان، أو يحصل الشياع، وكيفية السؤال والتعريف، واستحباب الترغيب في الصلح.
الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) في (تفسيره) عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا تخاصم إليه رجلان (1) قال للمدعي: ألك حجة؟ فان أقام بينة يرضاها ويعرفها، أنفذ الحكم على المدعى عليه، وإن لم يكن له بينة حلف المدعى عليه بالله، ما لهذا قبله ذلك الذي ادعاه، ولا شيء منه. وإذا جاء بشهود لا يعرفهم بخير ولا شر، قال للشهود: أين قبائلكما؟ فيصفان، أين سوقكما؟ فيصفان، أين منزلكما؟ فيصفان، ثم يقيم (2) الخصوم والشهود بين يديه، ثم يأمر (فيكتب أسامي المدعي والمدعى عليه والشهود، ويصف ما شهدوا) (3) به، ثم يدفع ذلك إلى رجل من أصحابه الخيار، ثم مثل ذلك إلى رجل آخر من خيار أصحابه، ثم يقول: ليذهب كل واحد منكما من حيث لا يشعر الاخر إلى قبائلهما وأسواقهما ومحالهما والربض الذي ينزلانه، فيسأل عنهما، فيذهبان ويسألان، فان أتوا خيرا وذكروا فضلا رجعوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأخبراه، أحضر القوم الذي (4) أثنوا عليهما، وأحضر الشهود، فقال للقوم المثنين عليهما: هذا فلان بن فلان، وهذا فلان بن فلان، أتعرفونهما؟ فيقولون: نعم، فيقول: إن فلانا وفلانا جاءني عنكم فيما بيننا بجميل وذكر صالح افكما قالا، فان قالوا: نعم قضى حينئذ بشهادتهما على المدعى عليه، فان رجعا بخبر سيئ وثناء قبيح دعا بهم، فيقول: أتعرفون فلانا وفلانا؟ فيقولون: نعم، فيقول: اقعدوا حتى يحضرا، فيقعدون فيحضرهما، فيقول للقوم: أهما هما؟ فيقولون: نعم، فاذا ثبت عنده ذلك لم يهتك (ستر الشاهدين) (5)، ولا عابهما ولا وبخهما، ولكن يدعو الخصوم إلى الصلح، فلا يزال بهم حتى يصطلحوا، لئلا يفتضح الشهود، ويستر عليهم. وكان رؤوفا رحيما عطوفا على امته، فان كان الشهود من أخلاط الناس، غرباء لا يعرفون، ولا قبيلة لهما، ولا سوق، ولا دار، أقبل على المدعى عليه فقال: ما تقول فيهما؟ فان قال: (ما عرفنا) (6) إلا خيراً، غير أنهما قد غلطا فيما شهدا عليّ، أنفذ شهادتهما، وإن جرحهما وطعن عليهما أصلح بين الخصم وخصمه، وأحلف المدعى عليه، وقطع الخصومة بينهما.